سرق الاضواء أمس الترحيب السعودي اللافت بما قطعه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي امس الاول من التزامات لإعادة تطبيع العلاقات بين لبنان ودول الخليج، ودَلّ الى عودة خليجية ملحوظة الى لبنان عبر البوابة السعودية بعد طول غياب، لمواكبة الاستحقاقات اللبنانية وفي مقدمها استحقاق الانتخابات النيايبة المقررة منتصف ايار المقبل، وكذلك مواكبة ما تتخذه الحكومة من خطوات مع المؤسسات المالية الدولية لتنفيذ خطة التعافي المعوّل عليها وقف الانهيار المالي والاقتصادي والنقدي والمعيشي الذي انزلقت اليه البلاد منذ اواخر العام 2019 والى الآن. ويُنتظر ان يَلي هذا الترحيب مزيدا من الخطوات على طريقة تطبيع العلاقات اللبنانية ـ الخليجية عموماً، واللبنانية - السعودية خصوصاً فيما ستبدأ ترجمة هذا الترحيب السعودي بعودة السفير السعودي وليد البخاري خلال الايام المقبلة الى بيروت. ورجّحت اوساط مطلعة ان يكون لهذا التطور انعكاساته الايجابية على مجمل الأوضاع الداخلية وعلى مستوى علاقات لبنان العربية والدولية، بدليل انّ الكويت سارعت هي الاخرى الى الترحيب بروحية الترحيب السعودي نفسها بما اعلنه رئيس الحكومة اللبنانية.
رحّبت وزارة الخارجية السعودية في بيان لها امس «بما تضمنه بيان رئيس الوزراء اللبناني من نقاط إيجابية»، وقالت انها «تأمل في أن يُساهم ذلك في استعادة لبنان لدوره ومكانته عربيًا ودوليًا». وأكدت «تطلّع المملكة إلى أن يعم لبنان الأمن والسلام، وأن يحظى الشعب اللبناني الشقيق بالاستقرار والأمان في وطنه والنماء والازدهار».
ولوحظ ان هذا الترحيب السعودي جاء بعد الاتصال الطويل الذي جرى أمس الاول بين ميقاتي ووزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، والذي اعقبه بيان لميقاتي تضمن مجموعة التزامات بخطوات اتخذت واخرى على الطريق ينوي اتخاذها وتؤدي الى ترميم العلاقات وتعزيزها بين لبنان ودول الخليج العربي عموما وبينه وبين المملكة السعودية تحديدا. مؤكدا «التزام الحكومة اللبنانية باتخاذ الإجراءات اللازمة والمطلوبة لتعزيز التعاون بين لبنان والمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي».
وبعد ساعات على البيان السعودي أعربت وزارة الخارجية الكويتية، في بيان لها، عن «ترحيبها بما تضمنه بيان دولة رئيس الوزراء اللبناني إثر الاتصال مع وزير الخارجية من تجديد التزام الحكومة اللبنانية بالقيام بالإجراءات اللازمة لإعادة لبنان لعلاقاته مع دول مجلس التعاون الخليجي». وأشارت إلى أنّها «متطلّعة إلى استكمال الإجراءات البناءة العملية في هذا الصدد وبما يساهم في مزيد من الأمان والاستقرار والازدهار للبنان وشعبه الشقيق».
عودة السفير السعودي
وقالت مصادر ديبلوماسية عربية ولبنانية لـ«الجمهورية» ان السفير السعودي وليد البخاري سيعود الى بيروت نهاية الاسبوع الجاري او قبل بدء شهر رمضان مطلع نيسان المقبل على ابعد تقدير، بحيت تكون هذه العودة اولى ثمار الموقف السعودي واول نتاج للمبادرة الكويتية التي فتحت ثغرة في العلاقات بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي.
وكشف مصدر سياسي رفيع لـ«الجمهورية» ان خطة المملكة العربية السعودية كانت مقصودة ومنسقة وليست عفوية، وقد مهّد لها السفير بخاري في دعوته صباح امس الى ترقب صدور بيان مهم عن الخارجية السعودية. وقال المصدر «ان هذا البيان الذي تبعه بيان على المستوى نفسه من الاهمية من الخارجية الكويتية يصبّ في اعلان نيات واضحة لدى الخليج بقيادة المملكة عن عودة سياسة الانفتاح تجاه لبنان وهو مؤشر ايجابي». وإذ سأل المصدر «الى اي مدى يسير هذا التحوّل بسرعة في اعادة النظر بالموقف السلبي تجاه لبنان؟ قال: «من المبكر الاجابة طبعاً». وأكد «ان هذا التحرك ايجابي خصوصا ان الكويت اصلاً لم يكن لديها مشكلة مع الرئيس سعد الحريري لكن الموقف الخليجي العام أصبح على اقتناع بأن اقفال الابواب في وجه لبنان لم يعد يخدم السياسة في المنطقة وهذه استدارة حقيقية وإن كانت استدارة بطيئة، واذا كان هناك من شيء يمكن ان يُبنى عليه في القريب المنظور فهو تلمس قرار بالمحافظة على استقرار الحياة السياسية وتسهيل اجراء الانتخابات النيابية اللبنانية».
تعهدات ميقاتي
وكان ميقاتي قد أعلن في بيانه أمس الأول التزام الحكومة إعادة العلاقات بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي الى طبيعتها، مشدداً على أن «الاتصال الذي جرى بينه وبين وزير خارجية دولة الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح يصب في هذا الاطار»، ولفت الى «سلسلة مناشدات وصلته من مختلف القيادات السياسية والروحية والاقتصادية في هذا الاطار». وقال: «أجدد التزام الحكومة اللبنانية باتخاذ الإجراءات اللازمة والمطلوبة لتعزيز التّعاون مع المملكة العربية السعودية ودول مجلس التّعاون الخليجي، وعلى التزام لبنان بكل قرارات جامعة الدول العربية والشرعية الدولية»، وشدد على «ضرورة وقف كل الانشطة السياسية والعسكرية والامنية والاعلامية التي تمس سيادة المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي وامنها واستقرارها والتي تنطلق من لبنان».
تراكم مساعي واتصالات
وقالت مصادر حكومية لـ«الجمهورية» ان هذا التطور الايجابي في العلاقات اللبنانية ـ السعودية جاء في ضوء ما رَاكمه ميقاتي من عدة مَساع واتصالات ومشاورات اجراها على مدى الاشهر والاسابيع التي تلت نشوء الازمة بين لبنان ودول الخليج، واكدت ان هناك خطوات ستلي هذا التطور تباعاً في قابل الايام بما يشير الى عودة العلاقة الى طبيعتها تدريجاً على كل المستويات بين لبنان ودول الخليج عموما وبينه وبين المملكة العربية السعودية خصوصاً. واشارت هذه المصادر الى ان هذا التطور يأخذ في الاعتبار التطورات الجارية لبنانياً وعربياً ودولياً، وسيتضح قريباً انعكاساته الايجابية على مجمل الاوضاع في لبنان.
كسر القطيعة
الى ذلك اعتبرت اوساط مطلعة ان الرئيس نجيب ميقاتي نجح على ما يبدو في كسر القطيعة الخليجية عموما والسعودية خصوصا للبنان، كما يوحي الرد السعودي الايجابي على الالتزامات التي أعلن عنها حيال الخليج.
وقالت هذه الاوساط لـ«الجمهورية» ان «الانفتاح السعودي على ميقاتي قد يفيد رئيس الحكومة في التقاط الأنفاس وسط الازمات التي تحاصره وحكومته». واشارت الى «ان ميقاتي تجاوب على الارجح مع غالبية بنود دفتر الشروط السعودي، وإلا ما كانت الرياض لتبدي هذه الايجابية حياله، مع الاخذ في الحسبان ايضا ان التهدئة الخليجية مع لبنان لا تنفصل عن إعادة خلط الأوراق في المنطقة ومحاولة إيجاد تسويات في ساحاتها المتشابكة والمشتبكة، كما توحي المفاوضات المقررة في شأن اليمن والمحادثات السعودية ـ الإيرانية في بغداد، والتي قد تُستأنف في مسقط وزيارة الرئيس السوري بشار الأسد لدولة الإمارات والمفاوضات المتقدمة بين طهران وواشنطن في فيينا حول الاتفاق النووي».
أممية بعد الخليجية
والى التزاماته العربية التي استجرت موقفا ايجابيا للخارجية السعودية وصفته مراجع ديبلوماسية لبنانية وخليجية انه اول الغيث للوساطة الكويتية الهادئة التي قادها وزير الخارجية الكويتي بصمت مكلفاً من امير بلاده، اكد ميقاتي خلال استقباله قائد القوات الدولية في الجنوب الجنرال ارولدو لازارو «التزام لبنان تنفيذ قرار الامم المتحدة الرقم 1701»، مثنيا على «التعاون المستمر بين الجيش وقوات اليونيفيل العاملة في الجنوب». وشدد على استقرار الوضع في الجنوب، داعيا الامم المتحدة الى «العمل لوقف الخروقات والانتهاكات الاسرائيلية اليومية». وشكر اليونيفيل على «جهودها لدعم المواطنين اللبنانيين في ارضهم وتعزيز التنمية المستدامة في الجنوب».
من لجم السوق السوداء؟
على الصعيدين المالي والمصرفي تعود المصارف اليوم الى فتح ابوابها للعمل كالمعتاد بعد اضراب استمر يومي الاثنين والثلثاء الماضيين، احتجاجاً على ما اعتبره القطاع فوضى قضائية تؤدّي الى زعزعة الوضع المالي والاقتصاد الوطني.
وفي مؤشر لافت، سجل دولار السوق السوداء ارتفاعا الاثنين تجاوز خلاله سقف الـ24 الف ليرة، لكنه تراجع امس الى ما بين 23,600 ليرة و23,700 ليرة. وفي تفسير ما جرى، قال خبير اقتصادي ان المضاربين الذين جسّوا نبض السوق في اليوم الاول للاضراب، عادوا وتراجعوا في اليوم الثاني، بعدما تبيّن لهم ان مصرف لبنان لن يتوقف عن دعم الليرة فور عودة منصة «صيرفة» للعمل اليوم الاربعاء. وهذا الامر وصل الى مسامع صرافين كباراً، الامر الذي حدّ من الاقبال على شراء الدولار. كذلك فإنّ التجار والمستوردين الذين تبلّغوا بأن مصرف لبنان المركزي سيعاود بيع الدولار اليوم، امتنعوا عن الاقبال على السوق السوداء لشراء العملة الصعبة، تفادياً لخسائر قد يمنون بها، بسبب الفارق بين سعري السوق السوداء ومنصة «صيرفة». وهذا ما أدّى الى لجم الدولار عن الارتفاع اكثر في السوق السوداء.
وكانت قد سرت شائعات مفادها ان الملاحقات القضائية التي قد يتعرض لها سلامة قد تدفعه الى وقف عملية ضخ الدولارات، وترك سعر الصرف على غاربه مجددا، ليتبين لاحقاً ان هذه الشائعات لا اساس لها من الصحة، وان مصرف لبنان مستمر في سياسته المعتادة طوال الفترة المقبلة.